سياسة

استناداً إلى أحاديثه الخاصة.. "بغداد اليوم" تكشف استراتيجية سافايا لإعادة بناء الدولة العراقية- عاجل


+A
-A

بغداد أوبزرفر – بغداد

في الأسابيع الأخيرة، شهدت بغداد تحوّلاً لافتاً في مستوى الانخراط الأمريكي، مع تكثّف زيارات الوفود الدبلوماسية والأمنية وعودة الملف العراقي إلى صدارة أجندة واشنطن بشكل غير مسبوق منذ سنوات. هذا الحراك تسارعت وتيرته بعد التصريحات الصريحة التي أدلى بها مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين أكد أن العراق يقف أمام “تغييرات كبيرة” وأن المرحلة المقبلة “ستشهد أفعالاً لا أقوالاً”، بعد الهجوم الكبير على منشأة كورمور الغازية في السليمانية. ومع تزامن هذه الرسائل مع وصول مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى إلى بغداد وأربيل، بدا واضحاً أن الولايات المتحدة تتحضّر لمرحلة جديدة من التعامل مع العراق، قائمة على إعادة ضبط النفوذ، وحماية المصالح الاقتصادية، وتعزيز مسار استعادة الدولة لقرارها الأمني والاقتصادي.

هذا الانهيال الأمريكي على بغداد، كما وصفه مراقبون، لم يأتِ معزولاً عن رؤية سياسية – اقتصادية يجري تشكيلها خلف الكواليس، وهي الرؤية التي كشف بعض ملامحها رحيم رشيدي “مستر كورد”، استناداً إلى أحاديثه الخاصة واتصالاته المتواصلة مع مارك سافايا، والتي تشير إلى أن واشنطن تعمل على إعادة هيكلة حضورها في العراق عبر مقاربة تجمع بين حماية الاقتصاد، وتحصين البنى التحتية، ودعم السلطة الشرعية في مواجهة السلاح المنفلت.

 

قال رشيدي في حديث خاص لـ” بغداد أوبزرفر” إن العراق “بحاجة ماسة إلى بناء اقتصاد مستقل بعيداً عن نفوذ دول الجوار وسيطرة الميليشيات”، مؤكداً أن استقرار الدولة يبدأ من حصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية فقط، سواء عبر حلول سلمية أو إجراءات قانونية. ويشير إلى أن هذه الخلاصة ليست قراءة نظرية، بل نتيجة تقييم دبلوماسي–اقتصادي استمع إليه بشكل مباشر من سافايا، الذي يرى—وفق ما نقله رشيدي—أن العراق لن يتمكن من بناء اقتصاد فعّال دون بيئة آمنة ومركزية قرار واضحة.

ويؤكد رشيدي، بناءً على معرفته الوثيقة بسافايا، أن الدور الذي يؤديه مبعوث الرئيس الأمريكي يتجاوز الطابع التقليدي للزيارات البروتوكولية، إذ ينقل عنه أن مهمة سافايا تتمحور حول “دعم العراق وإقليم كردستان في تحقيق مصالح اقتصادية واسعة، وبناء علاقات متوازنة مع بغداد وأربيل على حدّ سواء”. ويضيف أن سافايا يتمتع بـ”علاقة متينة مع الرئيس ترامب، ويستند إلى دعم قوي من منظومة دائرة الرئاسة الأمريكية”، ما يجعل تحركاته “منفّذة ضمن رؤية رئاسية مباشرة، وليست مجرد مبادرات دبلوماسية اعتيادية”.

وبحسب المعطيات التي حصل عليها رشيدي من أحاديثه مع سافايا، فإن الأسبوع الجاري سيشهد “حراكاً دبلوماسياً لافتاً” في أربيل وبغداد، بالتزامن مع وصول السفير الأمريكي في تركيا والمبعوث الأمريكي الخاص في سوريا—الذي يشغل منصب مساعد وزير الخارجية—للمشاركة في افتتاح أكبر ممثلية وقنصلية أمريكية في العالم. ويصف رشيدي هذا الحدث بأنه “تأكيد علني على أن واشنطن تعيد تثبيت حضورها في العراق عبر بوابة الدبلوماسية الاقتصادية”.

ويشير رشيدي إلى أن زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى واشنطن، في أيار الماضي، كانت—بحسب ما توصّل إليه من حديث مع سافايا—نقطة مفصلية فتحت الباب أمام وصول وفود اقتصادية أمريكية متتابعة إلى الإقليم، ضمن نهج أمريكي يقوم على “حماية الاقتصاد العراقي وتحصين البنى التحتية الحيوية بما يخدم المصالح المشتركة”.

ويضيف أن هذا الإطار سيكون محور عمل سافايا خلال المرحلة المقبلة، مؤكداً أن هذه ليست توقعات، بل استنتاجات مبنية على حديث مباشر مع المبعوث الأمريكي، الذي يرى أن مسار تعزيز الاقتصاد العراقي يجب أن يترافق مع مسار آخر لا يقل أهمية: توحيد الصف بين بغداد وأربيل وتقوية مؤسسات الدولة على حساب نفوذ السلاح غير الشرعي.

ويختتم رشيدي بالقول إن “واشنطن تسعى في هذه المرحلة الحساسة إلى إرساء مرحلة جديدة في إقليم كردستان، قوامها توحيد الصف وتعزيز التنسيق بين أربيل وبغداد، وبما يدعم سيادة العراق ويقوّي موقعه السياسي والاقتصادي”، مؤكداً أن هذه الرؤية “تمثل جوهر ما يتحدّث به سافايا في لقاءاته واتصالاته”.

تُظهر هذه المعطيات، بما فيها تسارع الحركة الدبلوماسية الأمريكية وتحوّل خطاب مبعوث الرئيس ترامب، أن واشنطن تعيد النظر في طبيعة وجودها في العراق، ليس من زاوية أمنية فقط، بل من زاوية اقتصادية وسيادية. فالتشديد على بناء اقتصاد مستقل، وحصر السلاح بيد الدولة، وتحصين مؤسسات الحكم، بات يشكّل محوراً مشتركاً في رسائل المسؤولين الأمريكيين خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما ينسجم مع ما نقله رشيدي عن سافايا من رؤية تعتبر أن أي مشروع لاستقرار العراق يبدأ من استعادة مركزية الدولة وقدرتها على اتخاذ القرار.

ومن خلال أحاديثه الخاصة مع مبعوث الرئيس الأمريكي، يشير رشيدي إلى أن هذه المقاربة ليست ظرفية، بل جزء من استراتيجية قيد التشكّل، هدفها التعامل مع العراق بوصفه شريكاً إقليمياً في بنية اقتصادية آمنة، لا بوصفه ساحة صراع بين القوى المتنافسة. ومع استمرار وصول الوفود الأمريكية، وتوسّع التنسيق مع أربيل وبغداد، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة العراق على الاستفادة من هذه اللحظة، وترجمة الانفتاح الدولي إلى مكاسب اقتصادية وسيادية، في ظل بيئة داخلية ما زالت تعاني من ثقل السلاح وتداخل النفوذ.

تقرير: محرر الشؤون السياسية في بغداد أوبزرفر