تكنولوجيا

طموحات ومليارات وصراعات.. كيف يبدو رهان مارك زوكربيرج المضطرب على الذكاء الاصطناعي؟


يخوض مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، واحدًا من أكثر رهاناته جرأةً وإثارةً للجدل، في محاولة لتحويل شركته الرائدة في التواصل الاجتماعي من مركزها المتأخر في سباق الذكاء الاصطناعي إلى مرتبة قيادية لمنافسة شركات مثل OpenAI وجوجل، وذلك عبر استثمارات ضخمة، واستقطاب غير مسبوق للمواهب، وتغييرات جذرية في بنية الشركة. وبحسب تقرير موسع نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإن زوكربيرج لم يتردد خلال صيف هذا العام في بذل جهود شخصية لاستقطاب كبار باحثي الذكاء الاصطناعي من المنافسين، وصلت إلى حد تسليم وجبات منزلية بنفسه، إلى جانب عروض مالية وُصفت بأنها “فلكية”. وتعكس هذه التحركات حجم الرهان الذي يضعه على ما يسميه “الذكاء الفائق الشخصي“، وهو ذكاء اصطناعي يتجاوز القدرات البشرية ويمكن حمله في الجيب في الوقت نفسه. ويضخ زوكربيرج مليارات الدولارات لبناء بنية تحتية ضخمة تشمل مراكز بيانات متقدمة برقاقات عالية التكلفة، بالتوازي مع استقطاب مئات الباحثين من شركات مثل OpenAI وجوج وآبل ومايكروسوفت بعقود وحوافز توقيع تصل إلى نحو 100 مليون دولار لبعض الأسماء البارزة. وفي سعيه إلى تقليل العوائق التنظيمية، كثّف زوكربيرج تقاربه العلني مع الرئيس الحالي دونالد ترامب، مشيدًا به في أكثر من مناسبة، إلى جانب تخفيف سياسات الإشراف على المحتوى، في خطوة فسّرها مراقبون بمحاولة استرضاء التيار الموالي للرئيس. ويرى زوكربيرج أن نجاح هذا التوجه قد يعيد إليه صورة “الرائد التقني”، بعد إخفاق مشروع الميتافيرس الذي قوبل بفتور المستخدمين وتحفظات المستثمرين. اضطرابات داخلية وقلق المستثمرين لم يمر رهان زوكربيرج على الذكاء الاصطناعي دون تكلفة داخلية؛ إذ شهدت ميتا إحدى أكثر المراحل اضطرابًا في تاريخها الممتد لنحو 20 عامًا، مع موجات تسريح موظفين، وإعادة هيكلة متكررة، وتغييرات واسعة في المناصب التنفيذية. وعلى صعيد المال، فقد بلغت نفقات للشركة في عام 2025 ما لا يقل عن 70 مليار دولار، مقارنةً بنحو 39 مليارًا في العام السابق، مع تحذيرات من أن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي قد يتجاوز 100 مليار دولار في 2026. وقد أدى الغموض بشأن آليات تحقيق العوائد إلى تراجع سهم ميتا بأكثر من 10% بعد إعلان النتائج المالية الأخيرة، مما محا نحو 208 مليارات دولار من قيمتها السوقية. وتراهن ميتا على عام 2026 كنقطة تحول، مع استعداد مختبرها البحثي الجديد لإطلاق نموذج ذكاء اصطناعي متقدم يحمل الاسم الرمزي “أفوكادو Avocado” خلال الربع الأول من العام المقبل. وتطوّر ميتا النموذج من الصفر، بدلًا من البناء على نماذج Llama التي خيّبت الآمال هذا العام. وتهدف الشركة إلى أن يضاهي نموذجها القادم أداء نموذج Gemini 2.5 من جوجل عند إطلاقه، مع طموح للحاق بنموذج Gemini 3 بحلول الصيف، في ظل منافسة شرسة من OpenAI وأنثروبيك. ويرى مراقبون أن إخفاق النموذج قد يدفع بعض المواهب الجديدة إلى مغادرة الشركة سريعًا. قيادة جديدة وتوترات متصاعدة ولقيادة هذا التحول، عيّن زوكربيرج رجل الأعمال الشاب ألكسندر وانغ، مؤسس Scale AI، على رأس “مختبر الذكاء الفائق” الجديد، كما استحوذت ميتا على حصص كبيرة في شركات أصغر، واستقطبت أسماء بارزة من شركات نافذة، لكن تقارير أخيرة تشير إلى توترات بين زوكربيرج ووانغ، وانتقادات داخلية لأسلوب الإدارة الدقيقة. وفي المقابل، غادر عدد من القيادات التاريخية للشركة، منهم عالم الذكاء الاصطناعي الشهير يان لوكون، الحائز على جائزة تورنغ. تمويل جريء ومخاطر مستقبلية ولتغطية هذا التوسع، لجأت ميتا إلى أدوات تمويل غير تقليدية، منها إصدار سندات قيمتها 30 مليار دولار، والحصول على تمويل خاص بنحو 27 مليار دولار لبناء مركز بيانات عملاق في لويزيانا، ضمن هيكل مالي معقد يهدف إلى إبقاء الديون خارج الميزانية. وإلى جانب التحديات التقنية والمالية، يواجه زوكربيرج اختبارًا حساسًا يتعلق بثقة المستخدمين والمشرّعين، خاصةً بعد تسريبات كشفت سماح سياسات داخلية بإجراء محادثات ذات طابع “رومانسي” بين روبوتات الدردشة والأطفال، مما أثار انتقادات واسعة. ويرى خبراء أن الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي لن يتحقق بالاستثمار وحده، بل ببناء الثقة وضمان السلامة، وهي معركة لا تقل صعوبةً عن سباق النماذج والخوارزميات. وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا حول نجاح زوكربيرج في تحويل رهان الذكاء الاصطناعي إلى نقطة انطلاق جديدة لميتا أو مغامرة مكلفة تهدد استقرارها، وقد تحمل الأيام المقبلة ونماذجها القادمة تحديدًا الإجابة. نسخ الرابط تم نسخ الرابط