تكنولوجيا

البحث عن البطارية المثالية.. الذكاء الاصطناعي يكتشف بدائل واعدة لبطاريات الليثيوم


في خطوة علمية قد تعيد تشكيل مستقبل قطاع الطاقة، نجح باحثون من معهد نيوجيرسي للتقنية (NJIT) في استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف بدائل فعالة ومستدامة لبطاريات الليثيوم-أيون، التي تواجه تحديات في سلاسل الإمداد العالمية وقضايا تتعلق بالاستدامة. وقد نُشرت نتائج هذا الإنجاز في مجلة (Cell Reports Physical Science)، وأظهر الفريق بقيادة البروفيسور ديباكار داتا، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنه تسريع عملية اكتشاف مواد جديدة تمامًا، تُعدّ مثالية لاستخدامها في بطاريات الأيونات المتعددة التكافؤ. وتتميّز هذه البطاريات باستخدام عناصر متوفرة بكثرة مثل: المغنيسيوم، والكالسيوم، والألمنيوم، والزنك، مما يجعلها بديلًا اقتصاديًا وصديقًا للبيئة مقارنة ببطاريات الليثيوم الحالية. جوهر المشكلة.. تحديات بطاريات الليثيوم والحاجة إلى بدائل: تعتمد البنية التحتية للطاقة الحديثة بنحو كبير على بطاريات الليثيوم، لكنها تواجه تحديات متزايدة تتعلق بالاستدامة، وارتفاع التكلفة، ومحدودية الإمدادات العالمية لعنصر الليثيوم. ومن هنا، برزت بطاريات الأيونات المتعددة التكافؤ كبديل واعد، إذ تعتمد هذه البطاريات على عناصر متوفرة بكثرة في الطبيعة ورخيصة الثمن مثل: المغنيسيوم، والكالسيوم، والألمنيوم، والزنك. كما تتفوق هذه البطاريات في قدرتها على حمل شحنات كهربائية مضاعفة، فبينما يحمل أيون الليثيوم شحنة موجبة واحدة (1+)، تحمل أيونات العناصر المتعددة التكافؤ شحنتين (2+) وحتى ثلاث شحنات موجبة (3+). وتمنحها هذه الخاصية القدرة النظرية على تخزين طاقة أكبر بكثير ضمن الحجم نفسه، مما يجعلها حلًا مثاليًا لتطبيقات المستقبل التي تتطلب كثافة طاقة عالية. ومع ذلك تأتي هذه الميزة مع تحدٍ كبير، يكمن في أن حجم هذه الأيونات الكبير وشحنتها العالية يجعلان حركتها واستيعابها داخل المواد الصلبة للبطارية أمرًا صعبًا للغاية، مما يعيق تطويرها العملي لعقود. نهج الذكاء الاصطناعي المزدوج لتسريع الاكتشاف: للتغلب على هذه العقبة، طوّر فريق معهد نيوجيرسي للتقنية نهجًا مبتكرًا يعتمد على نظام ذكاء اصطناعي مزدوج، يشمل: نموذج الترميز التلقائي التبايني لانتشار البلورات (CDVAE): دُرب هذا النموذج على قواعد بيانات ضخمة تضم آلاف الهياكل البلورية المعروفة. وبناءً على هذه المعرفة، أصبح النموذج قادرًا على اقتراح هياكل بلورية جديدة تمامًا وغير مكتشفة سابقًا، مما فتح الباب أمام احتمالات لا حصر لها. نموذج لغوي كبير (LLM) مُعدّل بدقة: ضُبط هذا النموذج بدقة للقيام بمهمة محددة، وهي تقييم الهياكل المقترحة من نموذج (CDVAE) السابق، والتركيز في تلك التي تتمتع بأعلى درجات الاستقرار الديناميكي الحراري، ويُعدّ هذا الاستقرار عاملاً حاسمًا لأنه يحدد إمكانية تصنيع المادة فعليًا في المختبر. ومن خلال الجمع بين قدرة النموذج الأول على الإبداع وقدرة النموذج الثاني على التقييم الدقيق، تمكن الباحثون من تمحيص آلاف المواد المحتملة بسرعة غير مسبوقة، وهو ما كان سيتطلب ملايين الساعات من التجارب المخبرية التقليدية. نتائج استثنائية وآفاق مستقبلية:  أثمر هذا النهج المتطور عن نتائج مذهلة، إذ أعلن الفريق اكتشاف خمسة هياكل جديدة تمامًا من أكاسيد الفلزات الانتقالية المسامية، وتتميز هذه المواد ببنية فريدة تحتوي على قنوات داخلية واسعة ومفتوحة، وهي بيئة مثالية للسماح للأيونات المتعددة التكافؤ الضخمة بالتحرك بسرعة وأمان، مما يحل المشكلة الأساسية التي كانت تعيق هذه التقنية. وللتأكد من جدوى هذه الاكتشافات، تحقق الفريق من صحة الهياكل المقترحة باستخدام محاكاة ميكانيكا الكم واختبارات الاستقرار المتقدمة، التي أكدت أن هذه المواد ليست مستقرة نظريًا فحسب، بل يمكن تصنيعها عمليًا وتوظيفها في تطبيقات حقيقية. وقد أكد البروفيسور داتا، أن أهمية نهجهم القائم على الذكاء الاصطناعي تتجاوز اكتشاف مواد جديدة للبطاريات، فهو يضع منهجية سريعة وقابلة للتطوير لاستكشاف أي مواد متقدمة، سواء كانت للإلكترونيات أو الطاقة النظيفة، دون الحاجة إلى التجربة والخطأ المكثفين. ويخطط الفريق الآن للخطوة التالية، وهي التعاون مع مختبرات تجريبية متخصصة لتصنيع هذه المواد الجديدة واختبار أدائها الفعلي، مما يقربنا أكثر من أي وقت مضى من تحقيق حلم بطاريات الأيونات المتعددة التكافؤ القابلة للتطبيق تجاريًا. تكامل الذكاء الاصطناعي وعلوم المواد:  يمثل هذا التقدم خطوة إستراتيجية نحو مستقبل أكثر استدامة وكفاءة في مجال تخزين الطاقة، بفضل التكامل المتزايد بين الذكاء الاصطناعي وعلوم المواد، ففي ظل تنامي الحاجة العالمية إلى بدائل نظيفة لبطاريات الليثيوم، فإن ما توصل إليه فريق معهد نيوجيرسي للتقنية (NJIT) قد يشكّل قفزة نوعية في هذا المجال، كما يؤكد هذا الاكتشاف  الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تسريع الابتكارات العلمية، التي تعالج التحديات البيئية والاقتصادية الكبرى. نسخ الرابط تم نسخ الرابط